- أولاً - الملصقات السّردية
الإلصاق في السرد ليس السرقة لأنه يخلو من الاستنساخ النصي تعييناً وتضميناً، وليس هو من جنس التناص، لأنه يخلو من التوظيف الرمزي لبقايا المحكيات السالفة، والتفاعل معها أدبياً أو إحداث أثر إنتاجي مع أية مرجعية نصية أخرى، وإنما هو نسج أسلوبي مبني على توظيف مشاهد ولوحات سردية من ذلك النمط الذي ولد مع النوع الأدبي الموظف المنجز الروائي أو القصصي، وهو أقرب إلى المحاكاة حين يقوم الكاتب بتعقيم نصه، ويحيله إلى مجرد زربية متعدّدة اللوحات المألوفة النسج والمنوال والموضى (مما سبقت رؤيته لدى القارئ)، ما يجعل هذا المكون علامة ملصقة قد مر عليها القراء عشرات المرات، وألفوا تواردها في ذلك الفن، فلا يجدون صعوبة في إرجاعها إلى أصلها وجنسها كلّما مرت عليهم في منجز حمال للملصقات الرجراجة.
هكذا تصنع الملصقات السردية (les autocollants narratifs) قيمتها كإيتيكت معروفة المرجع لا تعبأ بكثرة التوظيف وإعادة التدوير حين تغيب الإبداعية وينضب التجريب، فلا تتعدى مهمة الكاتب فعل الإلصاق (le collage) وتركيب المشاهد واللوحات المستجلبة من مراجع سابقة، وإعادة تدويرها وتركيبها في سياق جديد، فتكون اللوحة جلية الإلصاق وليست مدمجة متناغمة مع الكينونة السردية الجديدة، كما نجده في الابتكار والتجريب ومعايشة الموضوع.
- ثانياً - تدوير الملصقات في الرّواية الجزائرية
( قراءة في النّمط البوليسي)
سنحاول في هذه المقاربة تحليل الملصقات السردية الموظفة بصورة طاغية في رواية [نبضات آخر الليل لنسيمة بولوفة 2014]، وننهيها بمقارنة للتماثلات البنيوية مع رواية [سكرات نجمة لأمل بوشارب 2015]، التي استعملت الملصق نفسه، وانتهت إلى تكرار اللوحات نفسها التي يجدها القارئ مكرّرة ومتناسخة في نهاية الروايتين. ولا تحتكم أولوية التناول هنا إلا للأسبقية الزمنية للأولى على الثانية دون أن يكون هناك تأثير للنص الأول على الثاني، وإنما هو فعل استنساخ الملصق الذي سيقود إلى تكرار نمطي للوحات كلما تكرر استعماله وتدويره.
تعمد الروائية نسيمة بولوفة في روايتها البوليسية، “نبضات آخر الليل” إلى استخدام عدة لوحات سردية جاهزة التركيب وبشكل متعاقب بين فصل وآخر، من أجل صناعة حبكة بوليسية مشوقة، لكن ما أعاق انسجام هذا البناء هو أن لكل لوحة وموضوعها الخاص، ولونها المتميز، ومرجعيتها الفنية والفكرية المختلفة في الثقافة السردية التي هي أصل تلك النماذج، فكان النص عبارة عن تجمع غير متجانس من اللوحات الملصقة، شديدة التباين اللوني (le contraste)، أمام القارئ، مما يجعلها رواية بوليسية من النوع المركب، وهو تركيب ليس إدماجيا للوحات الموظفة بل تركيب إلصاقي، إذ بالانتقال من لوحة إلى أخرى يستشعر القارئ هزة الانتقال من موضوع لوحة إلى موضوع الأخرى، وتباين الألوان من سطح إلى سطح، وبمسافة فارقة بين فضاء وآخر من فضاءات اللوحات المتراكبة.
في هذه الرواية سيقف القارئ بسهولة على سمتين شكليتين، الأولى هي لوحات ثابتة (معروفة ونمطية ومألوفة المرجعية لدى القارئ الذي يكون قدر مر بها قراءة أو مشاهدة أو في مراجع أخرى خارج الرواية - روايات بوليسية أخرى، أو أفلام ومسلسلات)، وهي ليست من جنس المشاهد المتحركة التي يصبّ كل منها في محتوى الآخر ويمهدّ لأحداثه، وربما رجع ذلك إلى طبيعتها غير المتآلفة للوحات الموظفة وليس إلى صنعة التأليف لدى الكاتبة.
والثانية أنّنا أمام عملية إلصاق ظاهر في تركيب هذه اللوحات المستجلبة، وما حوته من أحداث وصناعة للحبكة، نظراً لأنها مأخوذة من مرجعيات مختلفة شائعة لدى مجتمع القراء والمشاهدين السينمائيين، أعادت الكاتبة تدويرها في نصها، مما جعل تكرارها مرة أخرى، بمثابة عبور نمطي للوحة مألوفة سبقت مشاهدتها، وها هي تمر أمامه ملصقة ومكررة وليست مبتكرة. والفرق بين عمليتي الإلصاق والابتكار، أن لوحات الأول مستوردة من مراجع مختلفة، لذلك يبدو وضعها المتجاور ناشزاً وغير طبيعي في بنائه، أما الابتكار الإبداعي فهو خلق فني ينبع من قريحة الكاتب ومعايشاته لنماذجه البشرية والحدثية، مما يجعل وضعه في النص بكراً وغير مسبوق، وأصلي الوجود غير مكرر أو مرصود في اعمال إبداعية سابقة، مما يفضي مباشرة إلى أصالة ابتكارية للحبكة وتموضع طبيعي للفكرة والبناء. وحالة من حالات التجريب السردي، وهذا ما يخلو منه هذا النص، لأن جل لوحاته مستوردة ومسبوقة لدى مجتمع المتلقين من قراء ومشاهدين، لكن يحسب للكاتبة صنعتها في طريقة وضع المشاهد وكيفية إلصاقها. ولنعرض هنا جميع اللوحات الملصقة للنص كما رصفتها الكاتبة، ولعلّ وصف كل لوحة كفيل بتذكر مرجعا لدى القارئ.
اللّوحة الأولى
- الاستهلال الهيتشكوكي
تبدأ الرّواية بلوحة استباقية تبرز حركة العجوز الغامضة، وهي تمسك مصباحاً وتجوب ليلاً أروقة وسلالم قصر مسكون بالأشباح والرعب، وسط صراخ صاحبة القصر أو الفيلا، في مشهد هيتشكوكي الافتتتاح، لتوقف اللوحة هنا وتدخل القارئ في مغامرة اللوحة الثانية، وهي لوحة المجتمع المهني المحيط بهذا المشهد الافتتاحي.
اللوحة الثانية
تقديم الشّخصيات البطلة (الشّرطي والشّرطية الشّابان بطلا التّحقيق والمغامرة)
تعتبر هذه اللوحة من أوسع اللوحات مساحة في الرواية باعتبارها الخلفية الأساسية، التي تؤثث الرواية بأهم الشخصيات والأحداث، وفي هذه اللوحة تقدّم الكاتبة للقارئ بطلة الرواية الشرطية ليلى، ورئيسها المفتش كمال، وأجواء عملهما داخل المخفر، الذي تخرج منه هاتان الشخصيتان لتنسجا الخيوط الأساسية للحبكة البوليسية. وتعدّ هذه مقدمة نمطية روتينية التكرار لكثير من الأعمال الروائية والدرامية والسينمائية ذات الطابع البوليسي التي تبدأ بشرطي وزميلته في المخفر، سيتقاسمان آليا دور البطولة لكشف لغز المغامرة.
اللوحة الثّالثة
الصّورة المزدوجة لرجل الشّرطي النّاجح والمشهور مهنياً وإعلامياً (خارجيا)، والفاشل اجتماعياً وعاطفياً (داخليا)
وتعد هذه اللوحة من أكثر اللوحات تردداً وتداولاً بين مختلف الأعمال البوليسية، سواء منها المكتوبة أو المرئية، لدرجة الاهتراء والابتذال من فرط مشاهدتها واعتيادها. ومع ذلك تعيد الكاتبة أمام قرائها تقديم شخصية كمال عميد الشرطة المشهور بحل أعقد القضايا، والفاشل في زواجه، فتقدمه الرواية في إحدى جلسات الغداء المتوترة مع طليقته أمل، التي يتواعد معها في فندق سان جورج، ويشرعان في تبادل التوبيخات، فتعيد عليه ما يناسب خيبته من لوم الطليقة المهجورة التي تضيق ذرعا بعدم التزام طليقها بواجباته نحو أسرته المفككة: [كمال دعني أقول لك أنك أسوأ أب رأيته في حياتي، إنك لا تسأل عن ابنك إطلاقاً، يطفئ كمال يسجارته - حقا؟ يا أحسن أم في الدنيا؟..هل تعرفين أنك تسكنين في الطائرة أكثر مما تسكنين قرب ابنك...هل صرت موظفة طيران دون علم أحد؟]، وعادة ما تنتهي المقابلة الروتينية على هذا النمط: [لا تقل لي بأنك لا تزال تغار عليّ، لا تنسَ أننا انفصلنا منذ سنوات، ولا أنوي الرجوع إليك أبداً فلا شأن لك بي ولا بمشاريعي”. (ص20-21). وقد شاهد المتلقي شخصية الشرطي الوسيم الناجح مهنيا والفاشل عاطفياً وعلاقته المتناقضة بين أسرته ومهنته في أكثر من نموذج سينمائي وروائي وقصصي، حتى صارت هذه الشخصية جاهزة حين نلتقي بها في أي عمل وكأنها قد انتقلت من هذا الفن إلى آخر بكل لباسها وأدائها وخطابها المتماثل. وهنا لا نشعر كقرّاء أنّنا أمام حدث أو شخصية جديدة علينا أو مختلفة تسم هذا العمل، وتضع مسافة فنية أو جمالية بينه وبين ما يماثله من أعمال مستنسخة اللوحات.
اللّوحة الرابعة
الفتاة الثرية الوحيدة في عائلتها
التي يحاول إرعابها وإصابتها بالجنون للاستيلاء على ثروتها، وما أكثر ما تغنّت المسلسلات العربية والتركية بهذه اللوحة التي تدخل المتلقي في حالة شك في كون هذه المرأة الثرية مجنونة حقاً أم أن هناك من يحاول إدخالها مستشفى المجانين، عن طريق إرهابها وإدخالها في حالات هستيرية عن طريق تحويل بيتها الفخم إلى بيت للأشباح والعفاريت، خاصة وأنّها وحيدة في قصرها الذي يتحوّل بفعل فاعل طماع من ذويها أن يحوله إلى بيت مسكون، وبالتالي تدخل هي في حالة من الهستيريا، ويقنعها الجميع أن ما تشاهده مجرد أوهام كي تنطلي عليها فكرة جنونها وتستقيم لهم التمثيلية الساذجة والمألوفة.
تقول صافيناز الكاتبة الروائية، وهي ضحية تمثيلية الأشباح والجنون المفتعل في هذه الرواية، مخاطبة صديقتها الشرطية ليلى بطلة الرواية: “إنهم يريدون دفعي للجنون..وإن استمر الحال على ما هو عليه سينالون مرادهم قريباً، منذ أقرب من شهر لم أنم من شدة الرعب...لا أعرف من يسعى لدفعي للجنون..لذلك جئت لطلب مساعدتك، أريد أن أكشف هويتهم، وغرضهم من كل هذا...في حدود منتصف الليل بدأ كل شيء، وصار بالنسبة لي كابوساً يومياً، حيث فجأة انقطعت الأنوار، وصرت أسمع أصواتا غريبة مريبة لا مصدر لها، مثلاً أسمع صراخ امرأة بكاء طفل، أشخاص غير مرئيين يصعدون الأدراج، ويتحوّل البيت بأسره إلى كائن غريب” (ص 30).
وطبعاً سيقوم الكاتب بإفشال هذه الخطة وتظهر سلامة عقل الضحية، وينكشف منفذوا هذه المسرحية في نهاية الرواية، ولا أدري كم مرت علي هذه اللوحة في مشاهدات درامية تلفزيونية وسينمائية، وها هي الروائية تعيد إلصاقها حرفياً ودون أية متغيرات أو تعديلات فتستعير هذه اللوحة الروتينية في تاريخ البولسيات، جعلت النص صورة مكررة لأكثر اللوحات البوليسية تداولا ونمطية لدى جمهور المتلقين،
اللّوحة الخامسة
العجوز المسنّة، ذات المظهر الملائكي الطيب واللب الشيطاني
عادة ما تلجأ البوليسيات الدرامية والروائية إلى إلصاق تهم القتل والجريمة بأبعد شخصية عن الشبهات في النص، وعادة ما تكون هذه الشخصية ثانوية أو هامشية، كأن تكون عجوزاً خادمة في بيت الضحية (كما شاهدناه حرفيا مع شخصية “يما مريم” في رواية سكرات نجمة لأمل بوشارب - الشهاب 2015)، وتتكرّر هذه الشخصية النمطية في رواية نبضات آخر الليل، تحت اسم “خالتي فاطمة” الخادمة في قصر صافيناز. التي تقول مقدمة نفسها ونافية عن بيت الأشباح المصطنعة أيّة شبهة: “إن البيت هاديء، وأعتبر أن العمل عند صافيناز أجمل ما يمكن أن يحدث لعجوز مثلي...هذا البيت قطعة من الجنة يعمه الحب والسلام، تقترب العجوز من صافيناز لتضع قبلة على جبينها، ثم بحركة حنان خاطفة تمسد شعرها وتواصل: صافيناز كالقطة الوديعة المستسلمة التي تبحث عن الدفء” (ص: 43).
لكن هذه العجوز الطيبة هي العقل المدبر لكل هذه التمثيلية لدفع صافيناز نحو الجنون: “يجب الاعتراف أن فاطمة كاتبة سيناريو بارزة خططت، ومنحت الأدوار، وكل واحد أدى دوره الذي كتبته له” (ص 103).
لتعلق الكاتبة في عنق هذه الشخصية الثانوية سلسلة الإدانات، وتعصب بجبينها حل جميع العقد، التي كانت الرواية تبعدها عنها منذ البداية. وهي أضحت أيقونية من فرط تداولها في مختلف أنماط القصص البوليسية لدى جمهور المشاهدين والقراء.
- ثالثاً - تماثل النّصوص من تماثل الملصقات (نبضات آخر اللّيل لنسيمة بولوفة / سكرات نجمة لأمل بوشارب)
من المهم أن نشير إلى أن لوحة العجوز الملائكية المظهر الثانوية الدور / الشيطان المخبر الرئيسية في الإدانة التي يبعدها السرد عن المشهد والتهمة في البداية ثم يلصق بها كل التهم في النهاية، هي لوحة قد تردّدت عند أكثر الكتاب البوليسيين شهرة في العالم، وعلى رأسهم أغاتا كريستي وآرثر كونان دويل في أكثر من قصة ورواية، وتداول عليها كتاب الروايات والسيناريوهات الأفلام والمسلسلات الغربية والعربية لدرجة صارت فيها طابعا معروفاً وعلامة مسجلة فيلا ذاكرة الجماهير المتابعة للسينما والرواية.
ومن هذا الملصق الأخير سنقدم نموذجاً لما يسببه الملصق حين يتم تداوله في أكثر من رواية من إشكالات وتطابقات تمنع عن تلك الأعمال صورة الجدة والتجريب والإبداع، وتدخلها في دوامة تكرار المكرر والنمطي والجاهز. لنجد أن كاتبين جزائريتين تكتبان روايتين تعتمدان نفس هذه اللوحة في بدايتهما ونهايتهما، وهما رواية [نبضات آخر الليل - 2014] لنسيمة بولوفة ورواية [سكرات نجمة-2015] لأمل بوشارب، التي علقت أحداث روايتها أيضاً على شخصية ثانوية لعجوز الخادمة “يما مريم”، التي تحبك خيوط جريمة قتل الشاب إلياس ماضي.
ليس مستغرباً أن تكون الشخصيتان المجرمتان في الروايتين، هامشيتين في استراتيجية التشخيص، ملائكيتي التقديم شيطانيتي الاختتام، حيث تلقى عليهما مسوح البراءة وتبعد عنهما الشبهات على امتداد بداية ووسط الروايتين، ثم تلصق بهما جميع خيوط التهم الرئيسية في نهاية الرواية، وأن كليهما عجوزاً خادمة في بيت الضحية، حيث لا اختلاف إلى في تسميتهما (“خالتي فاطمة” لدى نسيمة بولوفة، و«يما مريم” لدى أمل بوشارب). وليس غريباً أن نجد هذه الشخصية ثابتة الملامح ومتماثلة البناء والتقديم، ومتطابقة المسار والحركة، ومتعلقتان بالحدث الرئيس المعلق عليهما من حيث البداية والنهاية في الرويتين (رغم اختلاف الفضاء الحدثي بينهما).
ونختم القول بأن هذا التطابق البنيوي بين الروايتين في البناء والعقدة، وحلها بشخصية العجوز الهامشية (الملاك / الشيطان) ليس نتيجة تأثير للنص الأول في أو تأثر للنص الثاني بالأول نظراً لأسبقية تاريخية بل ننفي أي علاقة من هذا القبيل، وإنما حدث التطابق والتناسخ الجلي نتيجة اعتمادهما على نفس الملصق السردي، واللوحة الجاهزة المتداولة في هذا النمط من الروايات،
ممّا خفض من درجة إبداعيتها، وإضافتهما لهذا النمط الذي تبدعان فيه، حتى أن التشويق الظاهر في الروايتين هو تشويق مستجلب من صلب تلك الملصقات نفسها. ومع ذلك تظل سوق الملصقات السردية تتداول وتتكرر، ربما لطابعها اليسير والجاهز وغير المكلف في إلصاقه بأي عمل، كما أنه يعفي صاحبه من مشقة التجريب والابتكار والخلق الفني، وهو ما نشهده أكثر لدى الأقلام الناشئة في تجاربها الأولى.
والروايتان التي تناولناهما في هذه القراءة، تعدان أيضاً من التجارب الأولية والناشئة للكاتبتين نسيمة بولوفة وأمل بوشارب، وهما قلمان واعدان في السرد الجزائري، متمكنان من فنيات السرد وحبك الأحداث وتشويق القارئ إلى أبعاد لا متناهية، وإذ نسجل عليهما تلك الملاحظات ذات الطابع النقدي المقارن، وهما تخوضان بكل جرأة مسالك السرد الوعرة، فإننا لا نعدم اعتماد البدايات الأولى في الكتابة على المحاكاة والتأثر بالتجارب السابقة واستعارة بعض الملصقات التي وإن كان وجودها مبرراً لدى الناشئة من الأقلام، إلا أن توظيفها المفرط بحيث تسيطر على العمل الإبداعي من البداية إلى النهاية من شأنه أن يقتل العمل ويحيله إلى مجرد نسخة مكررة، أو ربما مشوهة لعمل أدبي أو درامي أو سينمائي قوي اشتهر لدى المتلقين، فيقتل الكاتب عمله خطأً دون قصد منه، وهو يدخل مؤثثا بسلعة مستوردة وملصقة إلى سوق الكتاب والقراء، الذي يستسهل دخوله الكثيرون دون احتساب لغربال القراء المتفاوتي المشارب والتجارب المستويات التي ستكشف يوما بعد يوم ما هو أصيل وما هو دخيل، وما هو ثقيل وما هو هزيل في ميزان الإبداع. ويبقى الفرق شاسعاً في فنون الكتابة بين من يبدع الفكرة ويبتكرها، ومن يؤلفها ويجهزها، ومن يلصقها جاهزة في نصه ويواجه بها القراء.
- محمد الأمين بحري
- نشير إلى أنّ لدينا دراسة سابقة في رواية “سكرات نجمة” لأمل بوشارب متداولة بين عديد المواقع، لذلك لم نشأ تكرار الأمثلة التي سقناها هناك عن هذه الرواية، وفضّلنا التركيز على رواية نبضات “آخر الليل” لنسيمة بولوفة، التي لم ندرسها من قبل والتي اعتمدت بشكل شبه كامل على توظيف الملصقات التي شكّلت قضية هذه القراءة.