تضامنا مع الأسرى الفلسطينيّين داخل سجون الاحتلال، تخصّص «الشعب» هذه المساحة للوقوف مع هؤلاء الأسرى الذين يقبعون خلف القضبان وأمام كاميرات المراقبة، الأمر نفسه تعاني منه الأسيرات اللواتي لم يسلمن من التحرشات والإهانات داخل المعتقلات.
إذ نخصّص هذا الفضاء بأقلام الفلسطينيين أسرى كانوا أو ناشطين سياسيين وحتى الفاعلين في المجتمع المدني الفلسطيني، إنما إدراكا منا بأن كلمة تضامن لا تعني فقط الوقوف معهم جسديا، وإنما من خلال مؤازرتهم روحيا وفكريا وإعلاميا، والكتابة عن معاناتهم، والدفاع عن قضيتهم المصيرية. الشعب
في ساعات الفجر الاولى يوم 18 / 9 / 2018 استيقظ الشاب محمد زغلول الريماوي 23 عاما من النوم فزعا مصدوما مندهشا جراء اقتحام عشرات الجنود الاسرائيليين منزله في قرية بيت ريما، انهالوا عليه بالضرب المبرح، ضربوا راسه بالحائط، بطحوه وركلوه ومارسوا وحشيتهم فوق جسده ليسقط شهيدا في غرفة نومه، لا زال النوم يابسا في عينيه، والأحلام ترقد في نومه الطويل.
اعتقلوا الشّهيد وكبّلوه وألقوه في سيارة عسكرية وواصلوا الدعس عليه ببساطيرهم واعقاب بنادقهم، وكان الشهيد قد لفظ أنفاسه وصار جثة هامدة، عيناه تحدقان في الجنود المتوترين يراهم ولا يرونه ساخرا من دولة خائفة.
الشّهيد الريماوي استيقظ فجرا فوجد نفسه جثة مقتولة مقموعة قبل طلوع الشمس، وأمام والدته وأهله المرعوبين المصدومين الشاهدين على جريمة متعمّدة وعملية إعدام ميداني نفذت في داخل البيت أيقظته التفجيرات التي نسفت باب المنزل خلال الاقتحام، صوت بنادق ومسدسات وكلاب مفترسة، وقد اعتقد الجنود أنهم كلفوا باقتحام قلعة حصينة ليجدوا شابا نائما حالما اقتلعوه من النوم ضربا وانتقاما، ولم يشبعوا حتى سقط بين ايديهم قتيلا، خنقوا أنفاسه وأغرقوا جسمه بالدم حتى اجفلت الشمس وتأخرت عن موعدها، هربت الطيور عن اشجارها وجف الندى.
استيقظ من النوم فوجد نفسه جثة، لا كلام ولا نقاش وسؤال، لم توقظه أمه ليتناول الفطور ويستعد للذهاب الى العمل، لم توقظه نسائم البحر المتوسط القريبة ولا رائحة الزيتون الاخضر، وقد استوى مبكرا في بيت ريما، لم يوقظه صوت اطفال ذاهبون الى المدرسة يركضون ويمرحون ويرددون نشيد الصباح، أيقظه الموت المفاجئ لينام في سرير الابد.
هنا جنود منفلتون يمارسون الاعتقالات الجماعية يوميا، جنود دولة فاشية عنصرية تمارس القتل العمد بشكل منهجي، دولة قتلت 215 شهيدا اسيرا منذ عام 1967 ولا تزال تحتجز مئات الشهداء في مقابرها العسكرية السرية وثلاجاتها الباردة. دولة تحولت الى معسكر تحتجز آلاف الاسرى في سجونها وزنازينها، مضى عليهم عمر طويل وموت كثير وهم يلتهمون الحياة وينشدون الحرية.
الشهيد محمد الريماوي استيقظ من النوم فوجد نفسه جثة، الفلسطيني تعود أن يزعجه أي شيء حين يموت، رصاصة، قنبلة، ضرب، تعذيب، وقد أحس الشهيد أن قلبه يناديه، موته يناديه، الموت يحاصر ايضا الجنود، هم الخائفون من الدنيا والاخرة.
الطفل الشهيد اركان مزهر 14 عام استيقظ من النوم فجرا في مخيم الدهيشة فوجد نفسه جثة، رصاصة اخترقت صدره، القى نفسه على حجر وأكمل النوم بهدوء أبيض على صوت الصلاة.
الطفل الشهيد محمد ابو خضير 14 عام استيقظ من النوم فوجد نفسه جثة، خطفه المستوطنون الحاقدون واحرقوه حيا، لم تدفنه مدينة القدس حتى تدفق دمه على كل الجهات ولملم جناحيه وصار طليقا على أرض الهوية.
الشهيد محمد الريماوي استيقظ من النوم فوجد نفسه جثة، وكان بإمكان الجنود المقنعين المدججين بالسلاح أن يعتقلوه، كان نائما ساكنا هادئا مسالما، لم يشكل خطرا على حياتهم، لم يهرب، لم يتوقع أن يتسلل الموت الى روحه الجميلة دون أن يطرق الباب سكان قرية بيت ريما اجلوا الجنازة والتشييع والبكاء حتى يتم تسلم جثمان الشهيد الريماوي، فقد احتجزوه داخل أكياس الموت، طبيب التشريح يقول إن قلبه قد انفجر، ربما يكون هذا الموت طريقنا للبقاء، يقول الناس في بيت ريما، ربما هي رائحة العشب والزيت وزغرودة المطر.
* نائب في المجلس التشريعي
رئيس هيئة الأسرى سابقا