رؤية استشرافية للمستقبل بعيون الماضي
رمز من رموز الاهليل. صنفته اليونسكو سنة 2005 ضمن قائمة التراث اللامادي، إتقانه للغة فولتير الى جانب لسانه العربي والامازيغي الزناتي الاصيل جعل منه مرشدا ومساهما مؤثرا في اخراج تراث القورارة الى مصاف العالمية. انه مولاي تيمي الذي غادرنا دون رجعة في أول محرم . نتوقف عند مساره وفكره الجدير بالتنويه والإشادة.
في جو مهيب يسوده الحزن والأسى لفقدان أحد أعمدة التراث الثقافي اللامادي شيّعت قورارة ابنها البار مولاي الصديق سليمان المعروف بـ «مولاي تيمي» عن عمر يناهز 75 سنة الى مثواه الاخير في مقبرة سيدي عثمان بتيميمون، الجنازة حضرها جموع غفيرة من ولاية ادرار وخارجها وشيوخ وأئمة ومحبو الراحل للصلاة عليه وتوديع من اخرج «تراث الأهليل» من دائرة ضيّقة إلى عالمية أرحب… بحسب قول وزير الثقافة عز الدين ميهوبي الراحل توفي في أول يوم من شهر محرم، وكأن القدر اختاره ان يهجرنا في أول يوم من السنة الهجرية، يعتبر الراحل رمز من رموز الاهليل الذي صنفته منظمة اليونسكو سنة 2005 ضمن قائمة التراث اللامادي، اضافة الى اتقانه لغة فولتير الى جانب لسانه العربي والامازيغي الزناتي الذي جعلت منه مرشدا ومساهما مؤثرا في اخراج تراث القورارة الى مصاف العالمية.
قصر اغام املال والاقربش.. البدايات الأولى لاحتكاك «مولاي تيمي» بالتراث القوراري
ولد الراحل خلال 1943 بتيميون وترعرع في طفولته بحي اغام املال ويعتبر «مولاي تيمي» الابن الاكبر لمولاي محمد بن مولاي علي سليل العائلة السليمانية الشريفة المنحدرة من الولي الصالح سيدي سليمان بن علي دفين ولاد اوش بعاصمة الولاية ادرار تتلمذ على يد الشيخ الطالب «الهامل بلحفيظ» بالمدرسة التقليدية «الكتاتيب» بحي اغام املال والتي ساهمت بشكل إيجابي في تلقينه المضمون الديني، وحفظ كتاب الله تعالى عن طريق الكتابة على الالواح الخشبية والحبر والدواة والاستظهار، إضافة الى الحلقات الخاصة بالقراءة الجماعية اضافة الى ولوجه المدرسة النظامية التي كانت تابعة للإدارة الكولونيالية اين تعلم ابجديات الكتابة بلغة فولتير، اضافة الى تعلمه مادة الحساب في تلك الفترة من الحقبة الاستعمارية، وقد عاصر الفقيد في تلك الفترة شيوخ الاهليل والتراث الشفوي المخضرمين وتتلمذ على يد اغلبهم، امثال المقدم «الشيخ محمد ولحاج» « احمد سيدي ما حمي» «البا يدا « «الشيخ بلال فولاي» «الشيخ الداماهمي عمر» الدباسعود»، «الشيخة ديما عيبي» والقائمة طويلة ، والذين اثروا الساحة التراثية من خلال حلقات الاهليل التي كانت تنظم في المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وزرارة سيدي عثمان وسيدي احمد او عثمان وسيدي امحمد وسيدي بوغرارة وسد الحاج محمد عبد الكريم ، حيث كانت هذه المناسبات كسوق عكاظ في المناظرات الشفوية في شعر الاهليل بكل انواعه: المدح، والهجاء، بين مختلف مدارس الاهليل كمدرسة تميميون ومدرسة شروين ومدرسة اولاد سعيد وكالي، كلها صقلت ملكات مولاي تيمي في النهل من بحور هذه المدارس والتيارات الشعرية الزناتية جعلت منه احد القامات المستقبلية في هذا التراث المادي الذي يعبر عن الهوية والتنوع الثقافي للإنسان القوراري .
الباحث» بيار اوجي» يكتشف الاهليل من خلال «مولاي تيمي»
ان علاقة «مولاي تيمي» بالتراث تعدت المحلية والممارسة المناسباتية، بل ذهبت الى ابعد الحدود حينما التقى بالباحث «بيار اوجيي» مدير البحث في المركز المسمى حاليا «المركز الوطني للبحث في ما قبل التاريخ والتاريخ والأنثروبولوجيا» عندما زار تيميمون سنة ١٩٧٠ اراد تسجيل الاغاني البدوية الصحراوية بطلب من موسيقية بريطانية، وفي منطقة متليلي الشعانبة عرض عليهم السائق المرافق اسطوانة تحتوي على بعض اغاني الاهليل واعجب بها الباحث «بيار اوجيي».
يلتقي صاحب العصا والعفيون ويبدأ مسيرته في تدويل الاهليل
في 1971 عاد هذه المرة الباحث مولود معمري وعرض نفسه على «مولاي تيمي»، وقال له مولود معمري صاحب الشعر الاحمر، أأنت صاحب رائعة «العصا والافيون» ؟، مبديا معرفته به من خلال هذه الرواية واشتغل معه في مجال التسجيل مع جماعة الاهليل، امثال الشيوخ: الدابسعود ،الداماهمي دادة وات الحاج احمد ،الدامرمي في تالة،مولاي عبد الرحمان بشروين، مامة دحمان، ماحمة في اولاد عيسى، الحاج عبد الحي الجوزي الذي اخذ منه تواريخ المنطقة والبحث عن الحرف الأمازيغي في جبال تمانة، تنسايين بيتيمون ، وجبال سموطة، حيث ان «مولاي تيمي» كان يساعده في الكتابة والترجمة ليلا ليمكث معه في العاصمة في ذات المركز كل 15 يوما من كل شهر مدة سبع سنوات يترجم له وليحقق في التراث والاهليل واخرجها «الد المولود» في شكل حوليات تتكلم عن تاريخ المنطقة سنوات الثمانينيات وبمناسبة تاريخ شهر التراث ادرج «بيار اوجيي» تراث الاهليل الى جانب طبوع لعبيد «قرقرابو» واذكار تلقيح النخيل، والحضرة ، صياح الديك الصباحي في اسطوانة 33/10 قبل ادراجه ضمن التراث العالمي بعد وفاة الباحث مولود معمري 26 فبراير 1989 في حادث مروري وهو عائد من ملتقى بدولة المغرب.
ادرج نفس المركز اسم مولاي الصديق سليمان المعروف بـ «مولاي تيمي» ضمن قائمة الأعضاء والشخصيات الموقعين على العريضة المرفقة في ملف المركز لطلب التصنيف، حتى أقرت منظمة اليونيسكو للتربية والعلوم والثقافة تصنيف الاهليل كتراث عالمي لامادي تحت رقم 43 من تاريخ 25 نوفمبر 2005 ليصبح واحدا من ضمن روائع التراث العالمية التي اعلن عليها مدير المنظمة والغاية من هذا التصنيف هو زيادة الوعي بهذا الموروث والحث على الاعتناء به والحرص عليه وتقديمه للأجيال بفضل مثل هؤلاء الشخصيات التي اخرجت تراث القورارة الى العالمية.
يجعلك تعيش الماضي بعيون الحاضر
أفل نجمك أيها الشريف «مولاي تيمي» صاحب كاريزما اسطورية بعباءته الصوفية المحلية وعمامته المتميزة كأنك تعيش الماضي بعيون الحاضر، نظرته الاستشرافية المتميزة صنعت منه التميز في الحياة صاحب فلسفة تأملية نحو التوجه للمستقبل بعيون الماضي، رحل عنا في يوم الهجرة تاركا وراءه بصمات كثيرة في مجال التاريخ والتراث وناضل في ادراج نشيد قورارة الازلي «الاهليل»، واحد من ضمن روائع التراث العالمية، شخصية اشتغلت بالثقافة والتراث وهو لا ينتمي وظيفيا الى قطاع الثقافة، قبلة الباحثين والطلبة والاكاديميين والاعلاميين للتزود من المعرفة التراثية، رجل متفتح على مختلف ثقافات البحر المتوسط، أحب التراث فأحبه الجميع حبا في التراث، اختزل الذاكرة الجماعية لقورارة في ذاكرته، كنت أمة، كنت جيلا، وداعا يا من اقترن اسمك بالغلو في حب الواحة الحمراء «قورارة» .