بــــاب الــــوادي النمــــوذج الحــــي لحـــوار الأديــان والثقافــات
في عمق الإنسانية وعبر أبعادها الجوهرية تنصهر الأجناس ويتسع الالتفاف نحو مختلف الألوان والمعتقدات، والخط الفاصل الذي يرسخ التعايش المطلق مع الجميع، احترام الآخر مهما اختلف عنا في لغته ودينه وحتى وإن لم يتطابق معنا في خياراته..ونجد سقفا معتبرا من هذا التفاهم التلقائي والتعايش النابض بالسلام الداخلي والمتشبع بروح المودة في سلوكيات الجزائريين الذين يستقبلون الأجانب بدفء وحرارة، ولا يترددون في تقديم يد المساعدة حتى وإن اقتصرت على معلومات يحتاجها سائح للتنقل إلى وجهة يجهلها..إنها عبارات عفوية وصريحة مشبعة بالارتياح والامتنان لأجانب اختاروا الجزائر وجهة سياحية، وآخرين يقيمون فيها بدافع العمل أو الدراسة والبعض الآخر لا ينوي مغادرتها وقرر عدم الرحيل عنها. جميعهم تقاطعت وجهتهم في محطة كنيسة السيدة الإفريقية بالعاصمة، أوروبيون من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا، آسيويون من الهند وسيرلانكا والصين واليابان وأفارقة من نيجيريا، الغابون، السينغال وغيرهم.
من أعلى مرتفع بالعاصمة وبالتحديد من كنيسة السيدة الإفريقية، التي مازالت معلما تاريخيا وحضاريا شاهقا و شاهدا حيا، يروي قصة شيقة عن تعايش المسلمين مع المسيحيين، يقصده الزوار من الجزائريين بدافع الفضول أو للسياحة، وكذا الأجانب من مختلف الديانات والمعتقدات.. كانت الرحلة الأولى استطلاعية لتفقد المكان والاقتراب من السكان الذين يقطنون بجوار السيدة الإفريقية، والوقوف على ظروف ممارسة الأجانب من المسيحيين لطقوسهم الدينية، حيث تفتح الكنيسة أبوابها للزوار، بداية من الساعة 11 صباحا، بينما العودة كانت برفقة مصور في الفترة المسائية، حيث يتدفق على المكان الساحر عدد أكبر من السياح الجزائريين والأجانب إلى غاية غروب الشمس، ولا يمكن أن تفرق بينهم إلا عند حديثهم أو من خلال لون بشرتهم،عندما ينتشرون في الساحة الشاسعة التي يقابلها سحر طبيعة تمتزج فيها زرقة البحر مع بياض العاصمة الناصع في لوحة مسالمة تخفي الكثير من الخصوصية والتميز.
الإطلالة الأولى من هذا المرتفع ستكون آسرة ومدهشة في آن واحد، وسرعان ما تبعث في صاحبها شعلة من الراحة والسكينة. يتدفق على السيدة الإفريقية يوميا العشرات من السياح للتنزه أو بدافع ممارسة الطقوس الدينية بحرية مطلقة وفي جو من الهدوء والآمان، هذا ما صرح بعضهم لـ «الشعب» عندما كان يتأهب الجميع لدخول الكنيسة.. بداية صعود مرتفع الزغارة تزامن مع نزول بعض الأجانب بصحبة شابة جزائرية ربما كانت دليلهم السياحي، وفضلوا اكتشاف المكان سيرا على الأقدام..
بداية الحديث كانت مع « آيكي أتسوكو» المهندس الياباني الذي يقيم بالجزائر منذ سنتين بدافع العمل الذي أطلق عبارات مدهشة في وصفه للجزائر برومانسية عالية وعرفان «..إنها مدينة الدفء والسلام تنتصب في شموخ على صخرة عنيدة تعانق البحر..البهجة حاضرة اقتصادية وإنسانية تنبض بالتنوع الثقافي العريق، وبفرحة كبيرة تحرضك طوعا على الذوبان فيها وتقبل الآخر مهما كان لونه أو جنسه ومهما اختلفت ديانته..مدينة تتلألأ بالمساجد، مازالت فيها الكنائس قائمة منذ أزيد من قرن من الزمن، تختزل قصة طويلة ومسار مثير للتعايش..» هكذا وصف لنا الياباني البهجة الذي وجدها مدينة للتسامح والتعايش واختتم قوله: «..بالفعل يحق لها أن تكون عروسا في جمالها ودفئها واحتضانها للآخر، ولا شك أنه يسهل علينا أن نعيش ونتعايش فيها..»، وكشف أنه يفكر بعد انتهاء عمله البحث عن تجديد عقده ليمكث بالجزائر أكبر مدة ممكنة. ويستمتع بجمالها وسحرها.
مساحة شاسعة من الوّد
لرباع زكريا الذي يقطن بولاية عنابة، حضر رفقة زوجته الصينية يو جاين شي wu jin shae» واسمها العربي «جنى» إلى العاصمة، حدثنا عن انبهارها بالجزائر، حيث لا يتجاوز عمر الشابة 20 ربيعا، بينما زكريا في سن 27عاما، حيث يواصل دراسته العليا في تحضير شهادة الدكتوراه بالصين في تخصص الإعلام الآلي، يظهر من خلال معاملتهما لبعضهما أنهما منسجمين كثيرا وتربطهما علاقة قوية مفعمة بالتفاهم، رغم أنهما من ثقافتين وانتمائين مختلفين، وفوق ذلك يتبادلا الحديث باللغة الإنجليزية.
اقتربنا من الصينية «جنى» التي وصفت لنا كل ما اكتشفته في أول رحلة لها خارج بلدها الصين، بنظرة دقيقة أسرت بأن في الجزائر مساحة شاسعة من الود وسقف معتبر من التعايش، وما لفت انتباهها أن الرجل يحترم المرأة كثيرا سواء كان يعرفها أو غريبة عنه ومعاملته له خاصة، عكس ما تعودت عليه في الصين، فالمرأة هناك تماما مثل الرجل ليس لديها أي تفضيل أو امتيازات.
قالت «جنى» انها استمتعت كثيرا بتعلم الطبخ الجزائري وطريقة ارتداء الملابس التقليدية، وكانت ممتنة لأنهم يصبرون عليها في عملية التلقين، وعندما اطلعت على الإسلام اكتشفت بأنها ديانة عميقة تحث على تعايش الإنسان مع أخيه الإنسان ومفعمة بالتسامح.
بلد يشّع بالدفء ويسطع بالضوء
المغترب الجزائري الشاب شحرور صلاح الدين، حضر رفقة صديقته الفرنسية «ميليسا شروازي»، التي انبهرت بوجود الكنائس في الجزائر وتدفق السياح والمسيحيين عليها. وكونها مسيحية لم تصدق توفر هذا الهامش الكبير من حرية المعتقدات عندما شاهدت المسيحيين يتوافدون على الكنيسة بشكل جد طبيعي وبحرية مطلقة، واعتبرت بأنها تغيرت نظرتها بشكل جذري للجزائر، حيث أدركت أنها بلد كبير يتسع لجميع من يزوره، وفوق ذلك لديه تنوع ثقافي حقيقي ينبض بالحياة والروح الحضارية. ترى ميليسا أن هذا البلد يستحق الانفتاح ليتذوقه الآخر..ورددت معترفة: «.. لن تكون المرة الأولى فقط ولن تكون الأخيرة .. سأزور الجزائر عدة مرات بل وكثيرا مستقبلا.. إن بلدكم جميل ودافئ وفيه ضوء وناس طيبين ومتفهمين.. صدقيني لقد أحببته..ويستحق أن يكون محطة مهمة للتعايش اليوم ومستقبلا..».
من جهته قال صلاح الدين إنه منبهر بكثرة المساجد بالجزائر، ويرى أن العاصمة تتوفر على عدد كبير من المساجد، ولم يكن يعلم بوجود بها الكنائس التي مازالت شاهقة حية تستقبل زوارها، معتبرا أن ذلك يعد أحد ألمع مظاهر التعايش.
ذكر أن تواجد الكنائس من شأنه أن ينوع من المعالم السياحية ويشجع تدفق السياح الأجانب، من أجل ترقية النمو الاقتصادي والترويج للمقصد الجزائري.
التسامح يذيب هاجس الاختلاف
الفرنسية «كريستال لادون» تحمست لاقتناء عدد معتبر من كتب الطبخ الجزائرية قبل عودتها إلى فرنسا، بعد وقوعها أسيرة في حب الأطباق التقليدية سواء كانت حلويات أو غيرها من كسكسي وأطباق مختلفة، ورغم أنها متزوجة من جزائري وأنجبت منه طفلين، إلا أنها مازالت تحافظ على ديانتها المسيحية الكاثوليكية، وتربطها بزوجها علاقة حب وتفاهم، واعترفت أن اختلاف الديانة لم يمنعهما من بناء أسرة متماسكة وسعيدة، وقالت أن الجزائريين باحتوائهم للآخر وبريق التسامح المفعم الذي تلمسته في نظراتهم، بث في نفسها الراحة والطمأنينة، ومن أجل كل ذلك تدعوهم إلى الاستمرار في هذا الطريق الرائع.
أما أخت زوجها فاتيا رزاقي التي كانت ترافقها، فأكدت لنا، أن شقيقيها مرتبطين بفرنسيات وتحافظ الزوجتين على ديانتهما المسيحية بينما أطفالهم مسلمين، وتعتقد أن نجاح زواجهما يعد أحد أقوى مؤشرات التعايش، ولم تخف أن زوجة أخيها «كريستال» لمست التسامح في سلوكات الجزائريين وشدها كثيرا تواجد الكنائس التي قالت إنها جميلة، واقتنعت بأن التسامح فعلا قادر على إذابة أي اختلاف..
وبالموازاة مع ذلك كانت مجموعة من الأجانب مجتمعة في البداية في ساحة كنيسة السيدة الإفريقية، وسرعان ما اقتربنا منها تحدثنا إلى شابة قالت إنها من سيرلانكا تدعى «جوا» وتعمل بالجزائر التي عشقتها، وتتمنى أن تبقى فيها، بينما أخرى كانت فرنسية في عقدها السادس وتعيش بالجزائر، بحسب تصريحها، لكنها اعتذرت عن مواصلة الحديث بحجة أنهن منتظرات بالداخل، وكانت تمشي بخطى سريعة وراء السيرلانكية .
أما السينغالي «سي سي»، فأكد لنا أنه لا يمكنهم التأخر أكثر، لأن موعد ممارسة طقوسهم سينطلق والجميع ينتظرهم من مختلف الجنسيات، وانفرجت من محياه ابتسامة تحمل الكثير من الرقة والتسامح ليعتذر بالانصراف، ولم يخف في رده في عجل على آخر استفسار، أنه يوجد أفارقة من الغابون ونيجيريا وإيطاليين وفرنسيين و حتى من إنجلترا بالداخل...تتبعنا خطاهم، لكن تمنع آلة التصوير ودخول الإعلاميين بمجرد الوصول إلى القاعة الكبرى..
قبول الآخر
من غير المعقول ان نمر الى السيدة الافريقية المنتصبة في أعالي العاصمة دون التوقف عند السكان الذين يقطنون بجوارها وأخذ انطباعاتهم في التعايش معا بسلام. لهذا اقتربنا من الجزائريين الذين تقع منازلهم بمحاذاة السيدة الإفريقية، ويقطنون منذ عدة عقود بجوار هذه الكنيسة التي تحتل موقعا استراتيجيا مذهلا، يطل بشموخ على البحر المتوسط ويغازل من علو شاهق بياض عمران العاصمة المتناسق في هندسة راقية، لتسجيل أجواء تعايشهم، فكانت لنا هذه الشهادات الحية من عين المكان.
روى كل من جفال محمد وعمار بوقرة والسعيد الذين كانوا يحتلون إحدى الزوايا الخارجية للكنيسة، ويبدون في عقدهم الخامس والسادس من العمر، قصة مثيرة عن مسار طويل من التعايش مع المسيحيين، حيث كشف جفال محمد بأنه درس وتكون عند المسيحيين وعاش معهم كعائلة واحدة يتقاسمون الوجبات والمعرفة والمكان، واستفاد منهم ولم يكن اختلاف الانتماء والمعتقد حاجزا للعيش معهم في ظروف هادئة، ولأنهم كانوا ينعمون بحياة طبيعية خالية من المشاكل والعراقيل.
حملت شهادة عمار بوقرة والسعيد سلوكات حضارية تحمل الكثير من الاحترام للآخر وتقبله وعدم استحالة الانسجام معه في حياة واحدة، حيث يقدم أسقف الكنيسة في عيد المسلمين على تهنئة جيرانه من السكان، بينما في عيد ميلاد المسيح «الكريسماس» والاحتفال برأس السنة الميلادية يحضرون لهم الحلويات، من أجل أن يتقاسموا معهم الفرحة، بل أن الأسقف الأسبق بالكنيسة كان لا يتردد في نقل بعض جيرانه الذين يجدهم يتأهبون لصعود قمة الزغارة العالية للوصول إلى الحي.
ومن حديث إبراهيم الشاب يمكن التأكد بأن مبدأ الاحترام والتسامح وشعلة الود تخيم على علاقات الجزائريين مع مختلف الأجانب، حتى وإن كانت معتقداتهم مختلفة، حيث اعترف بعفوية لنا قائلا : « ربما نكون محظوظين لأننا نجاور أجانب من ديانة مختلفة، لأن ذلك يسمح لنا بالتعرف على ثقافات أخرى، وكثيرا ما يدفعنا الفضول إلى التردد على الكنيسة وبفعل كثرة الزوار في الفترة المسائية على وجه الخصوص من جنسيات مختلفة نشعر بالفعل أننا أمام معلم سياحي وأننا منفتحين..».
الانفتاح وعدم الخوف
بول ديفارج، رئيس الأساقفة بالجزائر، أبدى قناعة راسخة من أن الإنسان يلتقي مع أخيه الإنسان في القيم الإنسانية المشتركة، ويرى أنه لا مفر في وقتنا الحالي من تبني خيار التعايش الذي ينبض في صميم وجدان الشعوب وثقافاتها، ومن ثم لا ينبغي الخوف من الانفتاح والحوار، لأن من شأن ذلك أن يساعد الشعوب على الارتقاء بهويتها.
يمكن القول أن صوت ديفارج جاء ليعبد جسرا متينا للعيش معا في سلام وتآخ ومودة، لأنه شدد في نفس الوقت على ضرورة تقبل الآخر مهما اختلفت جذوره وانتماءاته وإيديولوجيته. ولم يتردد رئيس الأساقفة في الكشف عن ارتياحه الكبير وفخره كون الدستور الجزائري ينص على حرية الأعراف والضمير وحرية ممارسة الطقوس المعترف بها، وعلى خلفية أنه على أرض الواقع كل الأجانب يمارسون طقوسهم الدينية في سلام وحرية وبشكل طبيعي.
حول سؤال يتعلق باختيار الجزائر لتكون أول عاصمة «للعيش معا في سلام»، لم يخف اغتباطه بهذا المكسب كونه يعيش على أرضها منذ نحو ثلاثة عقود كاملة، حيث اعترف بأن السعادة غمرته كون هذا المشروع وصل إلى النهاية ورأى النور، وفي كل ذلك كانت الجزائر البلد الذي تقدم بالمشروع إلى الأمم المتحدة. ولم تتردد أي دولة في التصويت عليه، وبالفعل تأسس اليوم العالمي «للعيش معا في سلام» الذي تنشده الإنسانية وتتقاطع حول أهميته.
أوضح ديفارج في سياق متصل أنه عندما تحدث مع خالد بن تونس، تأكد بأنه قرار أكثر من تاريخي بل روحي، حيث من شأنه أن يساعد العالم في التقدم بهدف العيش معا في سلام، على اعتبار أن العالم بحسب تقديره في الوقت الراهن يعيش في ظروف صعبة، في ظل وجود توتر وانغلاق العديد من البلدان، وأما بعد أن ثبت أن جميع البلدان صوتت على التعايش معا، فإنه قد تأكد بشكل قطعي أن التعايش ينبض في صميم قلوب الشعوب والثقافات، ولكن رغم ذلك أشار بول ديفارج رئيس الأساقفة بالجزائر الى أنه لا ينبغي إنكار أن التعايش يواجه صعوبات وعوائق، ولكن ومع ذلك نتطلع جميعا كي يساهم هذا اليوم العالمي للسير والعيش أكثر فأكثر في سلام.
المصالحة تجربة رائدة ومهمة
وبالموازاة مع ذلك وصف ديفارج تجربة الجزائر في المصالحة بالرائعة، وعلى حد تقديره أنها نجحت في العودة إلى السلم الاجتماعي، بالرغم من مواجهتها لبعض العقبات، ومن ثم صارت للجزائر تجربة مهمة يجب أن تستمر فيها، لما أظهرته من نتائج ملموسة استفاد منها المجتمع خاصة من الجانب الاجتماعي والاقتصادي والتنموي، وكذا التواصل مع الشعوب الأخرى، وعلى صعيد آخر تسجيل عودة الاستقرار والهدوء واختفاء العنف.
هذا من جهة ومن جهة أخرى وقف رئيس الأساقفة بالجزائر على تطلع جميع الشعوب في العالم من صميم وجدانها، من أجل تكريس السلم وتعميقه وتوسيع دائرته، أي ضرورة السير نحو قبول كل الإنسانية إنسانيتها، سواء كان الشخص مسيحيا أو مسلما، جزائريا أو أمريكيا، يابانيا أو باكستانيا، أبيضا أو أسودا أو حتى أحمر اللون، لأن كل إنسان مخلوق من الخالق في إنسانيته توجد بداخله طيبة، لذلك إمكانيات الطيبة ينبغي أن تدفعنا إلى التعارف في إطار إنسانيتنا، حيث لا يجب أن نتعرف على الآخر، انطلاقا من انتمائه أو إيديولوجيته.. ولأن كل إنسان أخ للآخر في مفهوم الإنسانية وقيمها الثابتة المقدسة.
وتحدث ديفارج عن تجربته الشخصية المتمثلة في وجود أصدقاء جزائريين له بمثابة الأخوة، إلى جانب وقوفه على أرض الواقع أن العديد من الجزائريين يتزوّجون من الأجانب، وهذا ما جعله يقتنع أن الموّدة والمحبة والأخوّة أمر مهم، يجب أن نثق فيها ونبني عليها. وبالإضافة إلى التأكد من أن جميع الثقافات ثرية وكل شعب له قيم راسخة يحترمها، ولأن عملية الانفتاح على الآخر تتطلب التخلص من الخوف، لأنه لدى كل شعب قيم إيجابية واستعداد للتفتح على شعب آخر، من خلال الاجتماع واللقاء والحوار، ومن شأن كل ذلك أن يجعلنا نرتق في إنسانيتنا، ومن ثم التقدم في العيش في سلام وهدوء وتقدم ورفاهية.
ووعد رئيس الأساقفة بول ديفارج أنه لدى عودته إلى فرنسا، سوف يعترف بأنه يعيش في الجزائر في سلام ومحبة ولديه أصدقاء أوفياء يحبونه ويحترمونه، ولأنه بهذه الاعترافات الصحيحة سوف تزول أي تصورات خاطئة وأحكام مسبقة غير صحيحة، وخلص إلى القول أنه يتوق أن ترتق الجزائر وتتقدم في المواطنة، التي من شأنها أن تسمح لكل واحد العيش بطريقته في سلم وسلام، ولأن المواطنة تساعد كثيرا على ذلك، كما يجب قبول جميع اختلافاتنا بصدر رحب وتفهم..
«بيان أول نوفمبر» .. قمة التعايش
الدكتور عبد الرحمان دراجي محلل سياسي وباحث أكاديمي قال لـ»الشعب»، أن المجتمع الجزائري تاريخيا ينام على رصيد معتبر من التعايش قبل ثورة التحرير المجيدة وخلالها وبعدها، على اعتبار أن بيان أول نوفمبر الخالد، لم يكن موجها لفئة المسلمين وحدهم، بل شمل حتى الجالية غير المسلمة من مختلف الديانات، وعكس بذلك حقيقة أن ثورة الحرية المجيدة لم تكن ثورة عرقية، حيث كانت تنظر للجميع على أنهم جزائريين بغض النظر عن معتقداتهم المختلفة، وحتى في اتفاقيات إيفيان تعهدت الجزائر بحماية الأقليات الأخرى، في حالة اختيارها العيش بالجزائر مع المسلمين، وفعلا هناك من فضل الجزائر وبقي فيها، وبعد ذلك شكل قمة التعايش مع الجزائريين، وكانت هناك مساواة في الحقوق والواجبات.
وفيما يتعلق بالقوانين الجزائرية فإن مختلف الدساتير تنص على احترام حقوق الفئات الجزائرية بغض النظر عن ديانتها، ويحمي القانون هذه الحقوق الأساسية، أما حول مظاهر التعايش والتسامح اعتبر الباحث دراجي أنه يمكن الوقوف عليها كون معظم الكنائس مازالت قائمة، ونفس الأمر سار بالنسبة للمقابر التي تحفظ أموات الأجانب.
ووقف الدكتور على تواجد الآلاف من المسيحيين الذين يمارسون طقوسهم في الكنائس من أوروبيين يقطنون الجزائر وكذا بالنسبة للتمثيليات الدبلوماسية وعائلاتهم وطاقم الشركات الأجنبية وطلبة أفارقة ومن لهم حق اللجوء من أمريكا اللاتينية، ويرى أن التسامح الذي ينبض من المجتمع الجزائري ممتد منذ عهد الأمير عبد القادر، يعد مكسبا تاريخيا جدير بالفخر، ولأن التاريخ يحفظ في صفحاته كيف قام الأمير الجزائري بحماية المسيحيين في سوريا من البطش، واغتنم الفرصة ليسلط الضوء على المرحلة التي عاش فيها القدس أوغسطين بالجزائر الثرية بالتعايش.
وخلص الدكتور الباحث إلى القول أن إرساء المصالحة في الجزائر وطي ملف العشرية السوداء، يعد رمزا يعكس تجلي مبدأ التسامح بقوة ووضوح، حتى أن التجربة الجزائرية قابلة أن تكون نموذجا لبعض الدول، والمعروف عن الجزائريين أنهم شعب مضياف يستقبل الأجانب بدفء ومودة ويقبل التعايش معا دون عقدة، افكار مسبقة أو كليشيهات جاهزة.