استقرار السوق تحد يجب على أعضاء «أوبيك» وخارجها رفعه
الحلقة الثانية والأخيرة
قدم الخبير بوزيان مهماه تشريحا مستفيضا لاهم مؤشرات السوق النفطية التي تشهد في الوقت الراهن تذبذبا محسوسا وعدم الاستقرار وكذا حذرا من طرف المنتجين والمستهلكين، مسلطا الضوء على لقاء منظمة «أوبك» المقرر عقده بالجزائر وما ينتظر من هذا الاجتماع المهم، متحدثا عن السيناريوهات المحتملة لاتجاهات الأسعار في 2019.التفاصيل في الحلقة الثانية من الحوار الذي اجرته «الشعب» مع الخبير مهماه بوزيان
يعقد خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الجاري اجتماعا لمنظمة أوبك بالجزائر..ما هي أهم المسائل الجوهرية والملفات المحورية التي سوف تناقش؟
خلال لقاء الجزائر المرتقب في نهاية هذا الشهر (23 سبتمبر)، فبالإضافة إلى «مراجعة خطة مراقبة العوامل الأساسية للسوق ومستوى الالتزام لنهاية 2018»، من المتوقع أن يتم عرض تصور إستراتيجي للتعاون على المدى البعيد، ليتم تجاوز التنسيق الحالي المتمحور حول فكرة اتفاق خفض الإنتاج كخيار تقني مرحلي، رغم اعتراف كل المتتبعين بأن هذا التوافق سجل نجاحا مشهودا، بدءً بعرض «مشروع ميثاق للتعاون الإستراتيجي البعيد المدى بين منتجي النفط من أوبك وخارجها». وتستهدف مسودة هذا المشروع إضفاء الطابع الرسمي على التعاون القائم بين منتجي النفط من أوبك وخارجها بما سيمنح إمكانية اتخاذ مزيد من الإجراءات المشتركة بشأن الإنتاج مستقبلا والمحافظة على مستوى وثيق من التعاون حتى بعد تحقيق الاستقرار في سوق النفط وانقضاء اتفاق خفض الإنتاج الحالي»، هذا الطموح في تطوير أطر التنسيق والتعاون غذّاه نجاح المسعى القائم حاليا في انتشال سعر برميل النفط من الحضيض (أقل من 30 دولاراً) ليلامس سقف الـ 80 دولاراً للبرميل، ثم الحفاظ عليه فوق عتبة الـ 70 دولار. ولذلك أعتقد أن نجاح مسعى التوافق الحالي حول خفض الإنتاج إستهدافا لإعادة التوازن للسوق النفطية، هذا المسعى الذي شهد ميلاده من الجزائر بما بات يعرف بـ «الإتفاق التاريخي للجزائر» قد عزز القناعة لدى كل الشركاء في إعادة ترسيخ مسعى أكثر أتساعا وأفقا، انطلاقا من الجزائر مجددا، وأقل طموح في منظوري سيتحقق مجددا على أرض الجزائر هو صياغة رؤية أولية حول «تنسيق السياسات الهادفة إلى استقرار أسواق النفط بما يحقق مصالح المنتجين والمستهلكين والمستثمرين والاقتصاد العالمي» ليتم إنضاجها وإقرارها لاحقا، لكن الميلاد منتظر في لقاء الجزائر المرتقب. كما سيجسد مطلبا جوهريا كنا قد دعونا إليه منذ سنوات، يتمثل في دمج منظومة الغاز ضمن المنظور الكلي للسياسات والتوافقات والإستراتيجيات المشتركة، خاصة أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للغاز في العالم منذ عام 2009 متقدمة على روسيا، وقد بلغ إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي مستوى 2,57 مليار متر مكعب يوميا في جوان الماضي، لذلك من المفترض كذلك أن يستهدف مشروع الميثاق «تحسين فهم الشركاء للعوامل الأساسية لسوق النفط والنهوض باستخدام النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي على المدى الطويل». كما سيقترح الميثاق أطر العمل والجوانب الإجرائية للعمل المشترك.
الإعتراف بالدبلوماسية الطاقوية الجزائرية
ما هي توقعاتكم لنتائج هذا الاجتماع..وهل ستلعب الدبلوماسية النفطية الجزائرية مجددا دورا بارزا من أجل الاستمرار في عملية تصحيح الأسعار وتكريس التوازن المطلوب في السوق النفطية؟
بعد سنتين من «اللقاء التاريخي بالجزائر» والذي كان محطة فارقة في مسار أسعار النفط، يأتي هذا اللقاء المقبل وفي نفس الشهر وفي نفس التوقيت، وهذا لا شك أن له دلالة هامة كبيرة وعميقة، ليس أقلها هو الإعتراف بالدبلوماسية الطاقوية الجزائرية الفاعلة والمحترمة والموثوق بها، وبإعتبار الجزائر وسيطا يُسمع له ويؤخذ برأيه لتقريب وجهات النظر داخل أسرة «أوبك» ومع شركائها من خارجها. بدءاً باتفاق الجزائر التاريخي، مرورا بلقاءات فيينا المتعددة وكذلك العمل الدوري للجنة المتابعة الخماسية التي تضم في عضويتها الجزائر وأيضا مساعيها الدؤوبة، لذلك تفاؤلي كبير بأن اللقاء المقبل المرتقب عقده أواخر سبتمبر المقبل بالجزائر سيكون محطة ناجحة جديدة ولبنة قوية تعضد بناء «مسار الجزائر التاريخي»، وهذا ليس شعورا وطنيا غالبا فقط إنما يمثل كذلك رأياً تقنيا تعضده مختلف قراءاتنا السابقة، بدءً بإستحضار مشهد التصريحات الإعلامية للصحافة العالمية وللعديد من الخبراء والمحللين والمتابعين، الذين كانوا ينظرون بنظرة تشاؤمية لاحتمالات مخرجات لقاء فيينا الأخير (جوان 2018)، لكن في مقابل هذه التصريحات كان موقفنا من موقف الجزائر الرسمي المتوازن والمتفائل، بل والحاسم في التقريب بين وجهات النظر الإيرانية والسعودية والعراقية والروسية والفنزويلية والإكوادورية، لذلك بناءً على هذه التجربة الشخصية من المتابعة والتحليل ومن الموثوقية في إستقراء الأفق، ومن خلال المقاربة التي اعتمدتها قبل لقاء الجزائر التاريخي (سبتمبر 2016) أتوقع بأن يكون هذا اللقاء المرتقب خلال شهر سبتمبر بالجزائر, لقاءً تاريخي ومحوري لتعزيز ما تم إنجازه بين «أوبك» وشركائها، وفرصة سانحة لتسطير معالم إستراتيجية مستقبلية شاملة ومستوعبة لمصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، كما أتوقع بأن يكون هذا اللقاء المقبل في رمزيته لقاء تكريميا للجزائر كدولة ومؤسسات وكدبلوماسية طاقوية نشطة وفعالة وموثوقة.
سوناطراك في طريق التحول إلى شركة عالمية
يسير مجمع سونطراك بخطى ثابتة نحو تنويع استثماراته وتثمين كفاءاته..كيف تقيمون هذا المسار؟
تقييمي لأداء سوناطراك الحالي إيجابي جدا، خاصة وأن سوناطراك كشركة وطنية (تنشط في الحيز الجغرافي للوطن) تعد في طور التحول إلى شركة عالمية، كما أنها تستهدف التموقع ضمن الشركات الخمس العالمية في الفضاء الطاقوي العالمي خلال العشرة سنوات القادمة، معتمدة على «نموذج جديد وعصري للأعمال التجارية»، هذا النموذج الذي يستوعب التحديات العالمية المستقبلية (جذب التكنولوجيات العالية، بناء القدرات وتجنيد الكفاءات البشرية العالية التكوين وتثمينها، التأمين، الرفع من وعاء الاستثمارات، تجديد الاحتياطات، الرفع من قدرات الاسترجاع، التنويع في المنتوجات، الشراكة بدلا من المنافسة...). وأيضا العمل على توضيح الأدوار المؤسساتية، من خلال بناء إطار تنظيمي مستقبلي سيسمح بتوضيح دور وزارة الطاقة و كذلك وكالة النفط و سلطة ضبط المحروقات و تعزيز دور سوناطراك كعامل اقتصادي وطني في خدمة تنمية البلاد والمحافظة على احتكارها لنشاط النقل عبر الأنابيب. وهذا ما يجعلني أنبه إلى ضرورة تضافر جهود كل المجموعة الوطنية لتجاوز «العطالة البيروقراطية» والعمل الممتد فيما بين القطاعات لتحسين المناخ العام للاستثمار في بلادنا. ولدعم الإطار الاستراتيجي الذي يعمل على بنائه إطارات سوناطراك بقيادتها رئيسها و مديرها العام، والذي يرتكز على تعزيز احتياطاتنا من المحروقات، ورفع قدراتنا في الإنتاج، واكتساب كفاءة مرجوة ومهارات عالية في التسويق الدولي لمنتجاتنا من الخام واللواحق والمنتجات المرافقة والمصنعة والنصف المصنعة، وتطوير قدراتنا في الصناعات البتروكميائية وتوسعتها، وضمان أمننا الطاقوي على المدى البعيد، واستيفاء حاجات سوقنا الوطنية الداخلية من مختلف المواد الطاقوية على غرار الوقود والبوليميرات والمواد البلاستيكية، والأسمدة والمواد الصيدلانية، ومواد التنظيف وغيرها مما ينتج من السلاسل الصناعية الطاقوية، ومراجعة قانون المحروقات لتعزيز جاذبيتنا الجيولوجية والجغرافية بجاذبية للاستثمارات المالية والتكنولوجيات العالية، ونشر الطاقات المتجددة ضمن منظومة الأنشطة والأعمال لسوناطراك، والتواجد في السوق الدولية من خلال بناء معابر صلبة وذكية للتموقع الجيد، وتجسيد شراكات ممتازة تسمح لسوناطراك بالارتقاء بآدائها في الأسواق العالمية، وتقوية قدراتنا في الأسواق الفورية وفي تسويق غازنا على الشكل المسال، والتوسع في أعمال الاستكشاف والتنقيب خارج حدودنا الوطنية، مع التوسع في أعمال الاستكشاف والتنقيب عن مواردنا من المحروقات غير التقليدية والبحرية، وصولا إلى تحويل شركة سوناطراك من شركة قُطْرية إلى شركة عالمية رائدة.