زلزال كبير يهدّد أركان عرش إيمانويل ماكرون ما فتئت تتوسّع دوائره وتتعقّد، منذرة الرئيس الفرنسي بصيف حارق، خاصة وأن البرلمان الفرنسي دخل على الخط وكوّن لجنة للتحقيق في القضية، إلى جانب أن الأجهزة الأمنية بدأت هي الأخرى تحقيقاتها، في حين أن الإعلام الذي فجّر الفضيحة يتابع تفاصيلها يوما بيوم، مثقلا كاهل ماكرون الذي يحاول محاصرة الملف.
القضية التي وصفت بالفضيحة الكبرى، تعود إلى شهر ماي الماضي، وبطلها مستشار ماكرون ومسؤول سلامة حملته الرئاسية الأخيرة ألكساندر بنعلا أو بينالا كما ينطق بالفرنسية، الذي عيّن لاحقا مكلفا بمهمة بالإليزيه، ثم مساعدا لمسؤول مكتب الرئيس.
فقد ارتدى بنعلا خوذة رجال الشرطة في الأول من ماي ـ وهو ليس رجل أمن - وشوهد وهو يعتدي بعنف على متظاهرين شبان، حيث أمسك متظاهرة من عنقها بشكل عنيف، واعتدى بالضرب الشديد على متظاهر آخر في مظاهرة بمناسبة عيد العمال.
لكن بنعلا وبمجرد أن شاهد أحدهم يصوّره تراجع هاربا من عين المكان خوفا من أن تحدّد هويته فينقلب تدخله إلى فضيحة تطبع ولاية ماكرون، وهو ما يحدث الآن بعد أن نجحت «لوموند» الفرنسية في تحديد هويته وتأكيد أنه هو من ظهر في الفيديو.
لجنة تحقيق برلمانية
البرلمان الفرنسي دخل على الخط، وصباح أمس السبت اجتمعت لجنة القوانين بالجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب) للاتفاق على برنامج للاستماع إلى كل من لهم علاقة بقضية ألكسندر بنعلا، وذلك بعد أن منحت اللجنة لنفسها صلاحيات لجنة تحقيق برلمانية.
ويتخوّف أنصار ماكرون من تأثير علنية الشهادات على رئيسهم، التي ينتظر أن تكشف تفاصيل ستمس شعبية ماكرون، خاصة إذا ثبت أن هناك تقصيرا ما من جهة مسؤولة في اتخاذ القرار المناسب بعد علمها بحقيقة ما جرى قبل نحو شهرين.
ويسعى الإليزيه من جهته جاهدا لمحاصرة آثار «الفضيحة»، وبادر الجمعة ببدء اجراءات إقالة بنعلا من مهامه الوظيفية بالإليزيه، كما أن بنعلا أوقف رهن الحراسة النظرية للتحقيق معه بشأن ما جرى.
وبحسب «لوموند»، فقد أمرت النيابة العامة الباريسية بفتح تحقيق في الحادثة بإشراف المفوضية العامة للشرطة الوطنية وفرقة مكافحة أشكال الانحراف ضد الأشخاص.
توقيف 3 من كبار الأمنيّين
وبالتزامن مع ذلك، أوقف الأمن الفرنسي ثلاثة من كبار الأمنيين على خلفية مشاركة بنعلا في الاعتداء على متظاهرين وهو ليس عضوا في الشرطة.
كما تمّ الاستماع إلى باتريك سترزودا مدير ديوان ماكرون بصفته شاهدا ضمن التحقيقات، وهو الذي اعترف بأنه استدعى بنعلا في ماي الماضي مباشرة بعد اطلاعه على الفيديوهات التي تصوّر الاعتداء على المتظاهرين، وأنه أخبر الرئيس ماكرون عنها، وهو الذي كان وقتها في رحلة إلى أستراليا.
وتذكر لوموند أن بنعلا كان يستفيد من امتيازات عدة بينها السكن الوظيفي في المقاطعة السابعة في باريس، وهي تعتبر من أرقى المناطق، إلى جانب سيارة بسائق
نيابة باريس تمدّد توقيف المتّهم
هذا وبعد أن أعلن قصر الإليزيه أنه سيتم طرد بنعلا بعد ظهور «عناصر جديدة» في القضية، أعلنت نيابة باريس السبت، تمديد توقيفه، كما فتشت منزله في ضاحية «إيسي لي مولينو» جنوب باريس.
ونشرت عدة أشرطة فيديو جديدة تظهر استعمال المتهم للعنف أكثر من مرة، في مناسبات عديدة خلال ممارسة مهامه.
ماكرون في ورطة
معرفة ماكرون بتفاصيل القضية منذ وقوعها في ماي الماضي جعلت لوموند الفرنسية توضّح أن أسئلة كثيرة تلفّ الموضوع، بينها لماذا لم يتّخذ الرئيس إجراءات حاسمة ضد بنعلا منذئذ؟ ولماذا لم يقدّم ملفّه للقضاء؟ ولماذا سمح له بالاستمرار في عمله بالإليزيه؟ وقد عوقب بنعلا وقتها بتوقيف بسيط لأسبوعين من دون أجر.
وبحسب لوموند، فقد رفض ماكرون الرد على تساؤلات الصحفيين، كما أنه -وعلى غير العادة - لم ينظّم مؤتمرا صحفيا قبل أربعة أيام، وذلك عقب لقائه برئيس أذربيجان إلهام عالييف.
وأجرت لوفيغارو الفرنسية الجمعة استطلاعا للرأي على موقعها الإلكتروني شارك فيها أكثر من 51 ألفا، أظهر أن 81.35% يرون أن فصل بنعلا لن ينهي الأزمة التي تسبب فيها، مقابل 18.63% كان تصويتهم بالإيجاب.
وزير الداخلية يدلي بشهادته
يدلي وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب بشهادته في إطار تلك القضية الاثنين المقبل أمام لجنة القوانين التابعة للجمعية الوطنية، والمخولة فتح تحقيق في هذا الصدد، ومن المفترض أن تكون الجلسة علنا وأن يعاد بثها على التلفزيون. وتشتبه المعارضة على اختلاف أطيافها بأن الحكومة كانت على علم بسلوك بنعلا، وبأنها حاولت طمس الوقائع.